بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يظلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن أصل الرسالة المحمدية : كلمة التوحيد (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) وهي كما يقول ابن القيم : (( لأجلها نصبت الموازين ، ووضعت الدواوين ، وقام سوق الجنة والنار ، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكافرين ، والأبرار والفجار ، وأسست الملة ، ولأجلها جردت السيوف للجهاد ، وهي حق الله على جميع العباد )) . هذه الكلمة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً والتصديق به عقداً ، والإقرار به نطقاً ، والانقياد له محبةً وخضوعاً ، والعمل به باطناً وظاهراً ، وكماله في الحب في الله ، والبغض في الله والعطاء لله ، والمنع لله ، والطريق إليه : تجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً . فإن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان ، وتحقيقه في واقعنا هو المقياس السديد تجاه الناس بشتى أنواعهم ، والحب في الله ، والبغض في الله هو الحصن لعقائد المسلمين وأخلاقهم أمام تيارات التذويب والمسخ كزمالة الأديان ، والنظام العالمي الجديد ، والعولمة ، والحب والبغض في الله متفرع عن حب الله ، وهذا ما نسميه مختصراً ب" الولاء والبراء " .
فالولاء والبراء من مفاهيم لا إله إلا الله ومقتضاها ، وهما التطبيق الواقعي لهذه العقيدة ، وهو مفهوم عظيم في حس المسلم بمقدار وعظمة هذه العقيدة . فأصل الموالاة : الحب ، وأصل المعاداة : البغض ، وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة ؛ كالنصرة والأنس والمعاونة ، وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك من الأعمال ، ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقق الولاء لمن يستحق الولاء ، والبراء ممن يستحق البراء قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (التوبة:23) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) (الممتحنة:1) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (المائدة:51) ، وقال تعالى : ( تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (المائدة:80 -81) فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحّد الله ، وترك الشرك إلا بعداوة المشركين ، كما قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (المجادلة:22) ، هذه الكلمة العظيمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حس الناس اليوم إلا من رحم الله ، وَحسبَ بعض الناس جهلاً أو قصداً أن هذا المفهوم العقدي الكبير يندرج ضمن القضايا الجزئية أو الثانوية ولكن حقيقة الأمر بعكس ذلك . وفي وقتنا الراهن نجد أن لهذا المفهوم الجليل من مفاهيم" لا إله إلا الله " مناسبةً خاصةً يفرض علينا واجب الوقت الحتمي مضاعفة المجهود في ترسيخه لدى المسلمين ، وتبينه أشد البيان وأوضحه ، فأمتنا الإسلامية تمر بأشد أوقاتها عسراً واستضعافاً ، وقد تكالبت عليها الأمم الكافرة من كل حدب وصوب بمالم يسبق له نظير في سالف تاريخها ، واجتالت بقضها وقضيضها وحدها وحديدها الأخضر واليابس ، ووطئت المدن والقرى والبوادي ، واختلط أعداء الله بالمدنين وغيرهم ، ونشأ عن ذلك مصالح وتعاملات ، وبدأت تبرز دعوات مشبوهة كثيرة تنادي بالإخاء ، والمساواة ، والاتحاد بين الأمم على اختلاف مشاربها وعقائدها وأهدافها ، مع احتفاظ كل ذي دين بدينه ، شريطة أن يكون ديناً كهنوتياً لا صلة له بالحياة ، وللأسف الشديد انساق كثير من المسلمين وراء هذه الدعوات ، وغاب عنهم المفهوم العقدي للولاء والبراء وربما تعاون بعضهم مع المحتل وسيروا له أموره تحت شعارات " إننا نتعامل لا نتعاون " ، وهذه الدعوات تشبه دعوى المنافقين المذكورين في قوله تعالى : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) (المائدة:52) ، وقد انكشف للقاصي والداني زيف هذه الشعارات وعوارها ؛ فهم بين مخدوع وضال نسي أو تناسى أن الأصل هو الإتباع لا الابتداع ، وأن الفلاح والصلاح والرشاد إنما بسلوك خطا من سلف فضلاً عن أنه دين وعقيدة وتشريع . مما تقدم علم ضرورة هذا المفهوم من مفاهيم لا إله إلا الله ، فالإنسان لا يستقيم إسلامه ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين ، ولا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله ، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله وتثبتها لله وحده ، وليس للقلب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله ، والتقرب إليه بما يحبه ، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه ، وهذه حقيقة لا إله إلا الله ، فلا إله إلا الله ، ولاء وبراء ونفي وإثبات ، ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين ، وبراء من كل طاغوت عبد من دون الله ، قال تعالى : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ) (البقرة:256) ، ولما كان أصل الموالاة : الحب وأصل المعاداة البغض وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة ، كالنصرة والأنس والمعاونة وكالجهاد والهجرة ونحو ذلك ؛ فإن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله . وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة ، قال تعالى : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) (آل عمران:28) . وقد روى الإمام أحمد في مسنده [4/357]من حديث جرير بن عبد الله البجلي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن : (( تنصح لكل مسلم ، وتبرأ من الكافر )) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )) [مسند أحمد 4/286] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )) [أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي وصححه العلامة الألباني ] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) [ رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني ]. مما تقدم عرف أن الولاء والبراء عقيدة وأصل من أصول الدين ، وأنه لا نصرة ولا موالاة مع الكفار البتة ، وأنها ليست بالأمر الجزئي كما يصوره بعضهم ويتهاون فيه بأعذار شتى ، فبعضهم حصل له تلبيس وقلب للمفاهيم ، فتجد بعض الناس إذا تحدثت عن الحب في الله والبغض في الله قال : هذا يؤدي إلى نفرة الناس ، ويؤدي إلى كراهية الناس لدين الله عز وجل . وهذا الفهم مصيبة ، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله عن مكائد النفس الأمارة بالسوء : (( إن النفس الأمارة بالسوء تري صاحبها صورة الصدق وجهاد من خرج عن دينه وأمره في قالب الانتصاب لعداوة الخلق وأذاهم وحربهم ، وأنه يعرض نفسه للبلاء ما لا يطيق ، وأنه يصير غرضاً لسهام الطاعنين وأمثال ذلك من الشبه )) وقد نسي هؤلاء قول الله تعالى : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (الزمر:36) ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) (الطلاق: من الآية3) ، . فالناس يقعون في المداهنة والتنازلات في دين الله عز وجل باسم السماحة ، ولا شك أن هذا من التلبيس ، خاصة إذا علم أن من لوازم هذا الأمر أن يظهر على جوارح المرء ، فلا يستقيم لإنسان يدعي أنه يوالي في الله ويحب في الله ويبغض في الله وتجده ينبسط وينصر ويؤيد من أبغضه الله ، فبغض أعداء الله من النصارى واليهود وغيرهم محله القلب ، لكن يظهر على الجوارح لا أن يمد يده للكفار من قريب أو بعيد ، بل العكس عليه أن يجهر بمعاداة أعداء الله وإظهار بغضهم ومنابذتهم بالسنان واللسان والجنان ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وعدم التعاون معهم ، ولا المشاركة بأعيادهم ، يقول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) (الفرقان:72) والزور كما قال بعض المفسرين هو : أعياد المشركين ولهذا تجد أهل العلم في غاية التحذير من هذا الأمر حتى إن بعض علماء الأحناف قال : (( من أهدى لمجوسي بيضة في يوم النيروز فقد كفر )) ، بل ولا بدئهم بالسلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ؛ فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه )) [ رواه مسلم ] ، ولا التشبه بهم فيما هو من خصائصهم من أمور الدنيا كالأخلاق وكالملبس وطريقة الأكل والشرب وعاداتهم الخاصة الأخرى أو أمور الدين كالتشبه بشعائر دينهم وعبادتهم ، أو ترجمة كتبهم وأخذ علومهم برمتها من غير تمحيص ومعرفة وتنقية ، أو استعارة قوانينهم ومناهجهم في الحكم والتربية ، والعمل بها ، وإلزام الناس عليها ، وعدم الترحم عليهم ، ولا مداهنتهم ومجاملتهم ومداراتهم على حساب الدين ، أو السكوت على ما هم عليه من المنكر والباطل ، قال الله تعالى : ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) (القلم:9) ، وقال : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) (هود:113) وعدم التحاكم إليهم ، أو الرضى بحكمهم لأن متابعتهم يعني ترك حكم الله تعالى ، قال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ) (البقرة:120) ، ولا تعظيمهم ومخاطبتهم بالسيد والمولى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل )) . وهذا هو الأصل في التعامل مع أعداء الله ، وقد بين أهل العلم أن المؤمن تجب محبته وإن أساء إليك ، والكافر يجب بغضه وعداوته وإن أحسن إليك ، وقد أوجب الله معاداة الكفار والمشركين ، وحرم موالاتهم وشدد فيه ، حتى أنه ليس في كتاب الله حكم فيه من الأدلة أكثر وأبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ، ولا يستثنى من إظهار هذا البغض والكره والمعاداة إلا خشية فوت النفس أو تعاظم المفاسد ، ومعلوم أن الضرورات تقدر بقدرها ، وبضابط الشرع لا الهوى كما يحصل في كثير من بلاد المسلمين وخاصة المحتلة من الكفار ، وما يجري الآن من تمييع لهذه العقيدة . وهذا الحد الفاصل بين أولياء الرحمان وأولياء الشيطان وبتنظيم شيطاني وأسلوب خبيث من محاولات لمحو هذا المفهوم من مناهج التعليم حتى وصل الأمر إلى المنابر وعلى لسان أئمة السوء أو من أطم الجهل عقله أو من غُرر به فاغتر وسار بركب من عتى وتجبر وبدأ يبث هذا الزيغ بغطاء الدعوى آنفة الذكر ممرراً هذا المكر على بسطاء الناس ومن هم على شاكلته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، قال أبو الوفاء بن عقيل : (( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة )) . وقد كان الإمام أحمد - رحمه الله - إذا نظر إلى نصراني أغمض عينيه ، فقيل له ذلك فقال - رحمه الله - : (( لا أستطيع أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه )) فانظر أخي المسلم كيف كان الإمام أحمد يغار على الله من أن ينظر إلى من افترى وقال : إن لله ولداً - تعالى الله عما يقول علواً كبيراً - وقارن بمن ذكرنا سابقاً ممن يتعامل ولا يتعاون على حد زعمه ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن النصارى : (( أهينوهم ولا تظلموهم ، فإنهم سبوا الله تعالى أعظم المسبة )) ، على أن لا ننسى أن لا يحملنا هذا الأمر على الظلم ؛ فقد أمرنا الله تعالى بالعدل حيث قال تعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (الممتحنة:8) ويقول في الحديث القدسي : (( ياعبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )) ، كذلك من مقتضى الولاء والبراء الانضمام إلى جماعة المسلمين ، وعدم التفرق عنهم ، والتعاون معهم على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) (النساء:115) ، وكذلك من مقتضى الولاء والبراء عدم التجسس على المسلمين ، أو نقل أخبارهم وأسرارهم إلى عدوهم ، وكف الأذى عنهم ، وإصلاح ذات بينهم ، قال تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) (الحجرات: 12) وكذلك نصرتهم ، وأداء حقوقهم من عيادة مريض واتباع جنائز ، والرفق بهم واللين والرقة والذل وخفض الجناح معهم . وأهل السنة والجماعة يقسمون الناس في الموالاة إلى ثلاثة أقسام : أولاً : من يستحق الموالاة والحب المطلق وهم المؤمنون الخلص الذين آمنوا بالله تعالى رباً ، وبرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً ، وقاموا بشعائر الدين علماً وعملاً واعتقاداً قال الله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة:55) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ))[ رواه البخاري ] وقال : (( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه )) [ رواه البخاري ] .
ثانياً - من يستحق الموالاة والحب من جهة والمعاداة والبغض من جهة أخرى ، وهم عصاة المؤمنين يحبون لما فيهم من الإيمان والطاعة ، ويبغضون لما فيهم من المعصية والفجور التي هي دون الكفر والشرك .
ثالثاً – من يستحق المعاداة والبغض المطلق وهم الكفار الخلص الذين يظهر كفرهم وزندقتهم ، وعلى اختلاف أجناسهم من اليهود والنصارى ، والمشركين ، والملحدين ، والوثنين ، والمجوس ، والمنافقين ، أو من تبعهم من أصحاب المذاهب الهدامة ، والأحزاب العلمانية .
ختاماً أخوة الإيمان نقول عودة إلى مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله الفهم الصحيح ، كما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار ، وتحكيماً لشريعة الله واتباعاً لما أنزله وكفراً بكل طاغوت وبكل عرف وبكل هوى وبكل عادة أو تقليد تشرع للناس ما لم ينـزل الله ، عند ذاك وحسب يكون صلاح الدين والدنيا ، وخير الآخرة والأولى ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : (( فلا تزول الفتنة عن القلب إلا إذا كان دين العبد كله لله عز وجل ، فيكون حبه لله ولما يحبه الله ، وبغضه لله ولما يبغضه الله ، وكذلك موالاته ومعاداته )) هذا ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم